اخر الأخبار

كتاب فن استثمار القيم

– القيادة القائمة على القيم أو “ القيادة القيمية”

تلخيص كتاب فن استثمار القيم :


إن القيادة بمعناها التقليدي ما هي إلا القدرة على التأثير في نفوس الآخرين. أما القيادة القائمة على القيم والتي يمكن أن نطلق عليها القيادة القِيمية فهي التي تنتقل بنا إلى ما هو أبعد من ذلك، فالقادة الذين يتخذون من القيم منهجًا لهم يُلهمون ويُحفزون متخذين من قدرتهم التأثيرية دافعًا لإنجاز المهام وتحقيق الإنجازات وذلك من خلال أقوالهم، وأفعالهم، وتمثيل القدوات. إن الهدف الحقيقي من القيادة القيمية هو التقدم بخطى ثابتة نحو الأهداف الصائبة من خلال اتخاذ القرارات وانتقاء الخيارات التي تتوافق مع قيمك الداخلية. لذلك نجد هؤلاء القادة في وقت الأزمات لا يتخبطون بين هذا وذاك لأن قدرتهم على التركيز على الخطوات والأهداف الصائبة يجعل الخيارات أكثر وضوحًا وأسهل تنفيذًا. بالطبع يتطلب ذلك ما هو أكثر من مجرد استيعاب سطحي للموقف أو لأعضاء الفريق، وإنما إدراك تام لشخصك وللقيم التي تعبر عنها.

– المبادئ الأربعة القيمية للقيادة القيمية

إن الطريق إلى القيادة القيمية ينحصر ما بين نقطتين كلتاهما قائمة على المبادئ الأربعة الرئيسية للقيادة القيمية. تلك المبادئ هي التأمل الذاتي، والتوازن، والثقة بالنفس، وأخيرًا التواضع. تتداخل وتتشابك هذه المبادئ بحيث يُفيد ويُضيف كل منها إلى الآخر وتشكل معًا أساسًا قويًا وأرضًا صلبة للقيادة القيمية.

– المبدأ الأول : التأمل الذاتي ..

يتمتع التأمل الذاتي بأهمية خاصة لأنه بمثابة المرآة التي تعكس قيمك الجوهرية وأحلامك بالغة الأهمية، فمن خلاله تستطيع أن ترى الأمور بشكل أوضح ومن ثم تتخلص من المشتتات والمعوقات. وكلما اتضحت رؤيتك تتعلم الشكل والوقت الأمثل لاستثمار وقتك، ومجهوداتك، ومواطن قوتك. كما أنه يزيل الغبار عن الكثير من الأشياء سواء الشخصية أو العملية، ذلك أنه يمنحك الوقت الكافي لدراستها وتأمل كل جوانبها. فكلما ازداد تأملك لذاتك، تيسر انتقاءك للخيارات التي تسير جنبًا إلى جنب مع قيمك الجوهرية موقنًا تمام اليقين من التأثير الذي ستتركه قراراتك على حياتك.

يوفر لك التأمل الذاتي الوقت الكافي لمراجعة قراراتك ودراسة خياراتك، ومن ثم تقل نسب تعرضك للصدمات المفاجئة. حتى وإن اعترضت طريقك بعض العقبات، تُحيلها عصا التأمل السحرية إلى خبرات ومكاسب مستقبلية.

– ترتيب الأولويات ..

إن إحدى أهم مزايا التأمل الذاتي هي القدرة على ترتيب الأمور كلٌّ وفقًا لأولويته. وعادة ما يُفاجأ الأفراد والجماعات حين يهمون بترتيب الأولويات بعشرات الأشياء التي تصلح أن تحتل عرش القائمة. ولكن لسوء الحظ لا يمكن أن تسير الأمور على هذا المنوال، فرأس قائمة الأولويات لا يحتمل أكثر من أولوية واحدة، ثم يأتي بعد ذلك المركز الثاني ثم الثالث وهكذا. أي أنه إن كان هناك أولوية أولى فيجب أن تهبط الأولويات الأخرى لتشغل باقي المناصب الفارغة واحدة تلو الأخرى إلى أن تنتهي جميعها. بالطبع هذا ليس بالأمر اليسير، ولكن في نفس الوقت لا مفر منه وإلا تكون قد خدعت نفسك وأرهقتها في محاولات بائسة لتحقيق الخمسين أولوية ”الأولى“ والثلاثين أولوية ”الثانية“ والأولويات العشر ”الثالثة“ بدلاً من توجيه وقتك ومجهوداتك ومواردك صوب الأهم فالمهم.

– لا محال من السؤال .. !

لا بد أن نعلم أنه ليس ثمة طريقة مثلى أو أسوأ للتأمل الذاتي. فالأمر برمته يكمن في اختيار الوقت الذي تختلي فيه إلى ذاتك لتتأمل ما حولك وتركز على الأشياء الأكثر أهمية. هذا الوقت في حالة ”آدم“ – على سبيل المثال – هو نهاية كل يوم بعد أن ينتهي من كل الأمور المهنية والعائلية، فقد أجرى المكالمات الهاتفية الهامة، وانتهى من رسائل البريد الإلكتروني، وأنهى تمريناته الرياضية، وها قد خلد أطفاله إلى مضاجعهم. تلك هي لحظات الصمت والهدوء التي يتأمل فيها مفردات ومحتويات يومه الذي شارف على الانتهاء، والبصمات المؤثرة التي تركها في حياة الآخرين، وتلك التي تركوها هم بحياته. كما يوجه إلى نفسه هذه الأسئلة الشخصية: ما الذي كان من المفترض عليّ إنجازه اليوم وما الذي أنجزته فعليًا؟ ما السبب وراء التباين بين ما فعلته وما كان يفترض فعله؟ ما الأمور التي أديتها على أكمل وجه وتلك التي أخفقت فيها؟ كيف تعاملت مع المحيطين بي؟ هل أنا راضٍ عما آلت إليه الأمور اليوم؟ إذا أُتيحت لي الفرصة لإعادة اليوم من جديد، كيف سيكون مساره؟ وأخيرًا، ما الذي تعلمته من خلال تجاربي لهذا اليوم والذي سيكون له أكبر الأثر على اليوم التالي، والأسبوع المقبل، وهلم جرا؟! واجه نفسك بالأسئلة الأكثر تعبيرًا عنك، فاستغراق الوقت الكافي لتأمل معطياتك وأولوياتك اليومية سواء المهنية أو الأُسرية أو الشخصية وغيرها، يعزز من التزامك وتمسكك بالخيارات والقرارات الملائمة لقيمك الجوهرية، وبمرور الوقت تتحول هذه العادة لتصبح حجر الأساس لقيادتك القِيمية.

– المبدأ الثاني : التوازن ووجهات النظر المختلفة ..

يُقصد بالتوازن القدرة على رؤية الأمور، والمشكلات، والنزاعات من مختلف الزوايا ودراسة شتى وجهات النظر حتى وإن تعارضت مع آرائنا الشخصية. فالتوازن يخول لنا اتخاذ القرارات الحاسمة وإدراك عواقبها عوضًا عن التفكير ضيق الأفق.

إن الالتزام بالتوازن في كل مساعي الحياة يكسبك القوة والصلابة وأيضًا اتساع الأفق في خضم محاولاتك المستميتة للحصول على المدخلات وجمع الآراء وردود الأفعال وجني المعلومات بمساعدة فريق العمل قبل الشروع في اتخاذ أي القرارات، فلا بد أن تجعل التوازن جزءًا لا يتجزَّأ من عملية اتخاذ القرار وتدرك تمام الإدراك أنه مهما علا شأنك ومركزك داخل المؤسسة ومهما ازدادت سنوات خبرتك فمن المحال أن تُلم بكل الأمور، كما أن التوازن يؤهلك لتبادل الآراء والتفاعل مع فريق العمل بشكل أكثر حيوية وفعالية. لذا بدلاً من الخضوع للمواجهات الثنائية عديمة الفائدة يمكنك عقد المناظرات الجماعية بحيث تتلاقى وجهات النظر وتتلاشى الخلافات.

سواء كنت مديرًا يخضع لسلطته اثنان أو ثلاثة من المرؤوسين المباشرين أو كنت أحد المديرين التنفيذيين لكبرى شركات التداول العلني، ففي كلتا الحالتين يجعل منك التوازن شخصًا متزن العقل متسع الأفق ذا قدرة فائقة على التفاعل المثمر مع الآخرين. ومن ثم يتيقن الجميع أنه – وأخيرًا – قد صار هناك من ينصت لهم بآذان صاغية كي لا تضيع جهودهم هباءً. كما أن قدرتك على التأثير في الآخرين تتضاعف حين تبادر بتفهم الآخرين قبل حتى أن يتفهموك.

– خلق التوازن بين الخطط قريبة الدى والأهداف بعيدة المدى ..

يضع الكثير من المؤسسات بعض الأهداف قصيرة المدى لسنة ما كتحقيق نسبة عالية من المبيعات والأرباح أو تصنيع كم معين من المنتجات وهكذا. يتطلب تحقيق هذه الأهداف إدارة واعية للمدى القريب. إلا أن هذه السنة المعطاة لا تمثل فقط ”المدى القريب“، وإنما تمثل أيضًا السنة الخامسة لخطة بعيدة المدى قد وضعت منذ خمسة أعوام مضت ومنتصف الطريق لأخرى وضعت منذ عشرة أعوام! بمعنى آخر، ستضطر بشكل أو بآخر إلى تحقيق الأهداف المرتبطة بهذه السنة، وفي نفس الوقت التخطيط للسنوات الأربع، أو الخمس، أو العشر، أو حتى العشرين المقبلة. تلك هي النظرة المؤسسية الشمولية والتي تنصب حول الأهداف قريبة المدى دون أن تغفل عن مثيلاتها بعيدة المدى.

– نحو حياة متوازنة ..

يتطلب دورك كقائد همام أن توازن ما بين حياتك المهنية والشخصية، وبالمثل تتيح للآخرين الفرصة لذلك. فوحده القائد القيمي يستطيع أن يقدم نمودجًا يُحتذى به في التمتع بحياة متزنة ومرضية في كل جوانبها، وإلا ناقضت نفسك وقللت من شأنك بأن تتغنى ببعض الشعارات مثل: ”نحن شركة تقدر التوازن كأحد المبادئ المتأصلة في جوهرها“

في حين يكون الواقع: ”إن العمل هو أهم أولوياتنا ولا داعي لمضيعة الوقت في الهراءات والتفاهات الشخصية!“ وبذلك تكون قد ابتعدت تمام البعد عن القيادة القيمية.

– المبدأ الثالث : الثقة بالنفس ..

الثقة بالنفس سمة جوهرية عليها تقوم القيادة الحقيقية وتمد صاحبها بالقوة التي ينقلها بدوره إلى الآخرين، كما أن الثقة المتأصلة في نفس الإنسان هي التي تساعده على فهم وتقبل ذاته بعيدًا عن أية مهارات أو كفاءات أو براعة في إتمام المهام، ومن ثم يرضى الإنسان عن ذاته ويتعرف إلى مواطن قوته ونقاط ضعفه وحدود معرفته على حد سواء. من هنا يمكننا القول إن كل من يتمتع بالثقة بالنفس يلتزم بتطوير ذاته ليحقق التميز فيما يتقنه ويتعلم ما لا يتقن. عادة ما يتجنب القادة الذين يتمتعون بقدر هائل من الثقة بالنفس عوامل الغموض والالتباس، بل على النقيض يحفزون فريقهم على التفاعل وإبداء الآراء وتحدي الآخرين بما في ذلك القائد. هؤلاء القادة لا يخجلون من الرجوع إلى أحد أعضاء الفريق الأكثر خبرة في مجال ما، فهدفهم هو الصالح العام.

– عبر عن رأيك ..

إن شجاعة التعبير عن الرأي – أو بالأحرى تطوير الثقة بالذات – مهارة لا يتقنها سوى من أتقن مبادئ التوازن والتأمل الذاتي، فكل واحدة تدعم وتصب في مصلحة الأخرى. لنفترض معًا أنك قدمت بعض المقترحات حول قرار ما اتخذه رئيسك في العمل، والذي يؤثر بشكل مباشر على أحد المشروعات التي تخضع لإدارتك ولكن كان لرئيسك رأي آخر! في تلك الحالات من الصعب أن يتجاوز الإنسان عن كبريائه، فأنت قبل كل شيء قد تحملت مسؤولية المهمة المسندة إليك واستنفدت ساعات طوالًا في التفكير المضني لتنفذ مهمتك على أكمل وجه. حتى وإن لم تمتلك إجابات وافية عن كل الأسئلة ولكنك على الأقل تمكنت من التعبير عن رأيك – وهو ليس مجرد رد فعل سريع أو رأي مبني على دراسة سطحية.

في مثل هذه الحالات يكون الاعتماد على التأمل الذاتي هو الحل الأمثل للتأكد من إلمامك بكل الأمور المتعلقة بالمهمة. فمهما كان تحليلك شاملاً ورأيك صائبًا، فمن المحتمل أن يتمتع الآخرون بخبرة في هذا المجال أكثر مما تتخيل، بل إنه في حين ينصب تركيزك حول المشروع المسند إليك فقط، يهتم رئيسك بالإطار العام والصورة الكاملة بحيث تتلاءم كل المبادرات والمشروعات مع السياسة والاستراتيجية العامة للشركة.

فإن استطعت أن تضع عنصر الكبرياء جانبًا، يمكنك في هذه الحالة أن تعمد إلى التوازن بحيث ترى الأمور من كل الزوايا ومن ثم تمضي قدمًا. ابحث كل الآراء من خلال التحاور مع الزملاء والرفقاء داخل المؤسسة أو حتى قادة الفرق والأقسام الأخرى. وتذكر أنك لا تهدف في المقام الأول إلى تفنيد قرار رئيسك لإثبات فشله وإنما لتختبر مدى صحة وجهة نظرك والنتائج التي توصلت إليها من خلال هذا التحليل. في نهاية الأمر وبعد أن استخدمت اثنين من مبادئ القيادة القيمية وهما التأمل الذاتي والتوازن بهدف دراسة الموقف وتكوين فكرة عامة، أصبحت الآن على أتم الاستعداد للرجوع إلى مقترحاتك مرة أخرى، فإن زاد إصرارك وتمسكك بالمقترحات الأولية أكثر من ذي قبل، فكر في الحل الأمثل لتنفيذها، فربما تحتاج إلى تداول الأمر مع رئيسك مرة أخرى وإقناعه بما توصلت إليه، وربما تنتقل بالأمر إلى المرحلة التالية مباشرة.

– المبدأ الرابع : التواضع ..

يمثل المبدأ الرابع للقيادة القيمية، وهو التواضع، الأرض الصلبة التي تتكئ إليها بينما ترتقي على مدار مسارك المهني. إن جوهر التواضع أن يتذكر الإنسان دائمًا أصله وكيف كان من ذي قبل، يقدر دور وقيمة كل شخص داخل المؤسسة، ويحترم كل من حوله سواء كان من كبار المديرين أم من المتدربين المؤقتين. فالتواضع يكسبك ثقة الآخرين ويجعلك أكثر انفتاحًا وتقبلاً، بل وجذبًا للآخرين وإن كنت مديرًا، أو كبير التنفيذيين، أو حتى رئيسًا تنفيذيًا.

تنبع سمة التواضع الحقيقي من إدراك الإنسان لذاته، فإن حصلت على ترقية، على سبيل المثال، فإن رؤيتك واستيعابك لهذه الترقية يعتمد بشكل رئيسي على مقدار ما تتمتع به من تأمل ذاتي، وتوازن، وثقة بالنفس، ومن ثم فستدرك بالتأكيد أن الحظ والتوقيت المناسب قد لعبَا في هذه الترقية دورًا لا يقل أهمية عن مواطن قوتك ومهاراتك ومجهودك المضني، فنحن كبشر تميل آذاننا لتلقي كلمات الشكر والتقدير والثناء على نجاحاتنا ومجهوداتنا، إلا أن التواضع يجعلك تدرك في صميم قلبك الأسباب التي جعلتك محل اهتمام وتقدير الجميع.

من الضروري أن تعلم أنه كلما ازداد تواضعك سطع وتألق دورك القيادي. فأيًا كان منصبك المؤسسي، يخول لك التواضع المتأصل في داخلك إدراك أهمية الدور القيادي الذي تلعبه في تقدم وارتقاء المؤسسة والتأثير في حياة الآخرين، وفي نفس الوقت تشعر بقيمة وأهمية كل أعضاء الفريق: وذلك هو جوهر العمل الجماعي، ومن ثم يُبرز التواضع سماتك الشخصية ومزاياك القيادية وحسن تعاملك مع الآخرين.

العناصر الأساسية للمؤسسة القيمية

– العنصر الأول القيادة القائمة على القيم ..

تعتمد قدرتك على التأثير في الآخرين بشكل رئيسي على مدى تقبلهم وتقديرهم للقيم التي تمثلها سواء كنت قائدًا لفريق عمل مكون من شخصين أم مديرًا لآلاف الموظفين، وبالتالي لا بد أن تتضح قيمك كقائد بحيث يستطيع جميع أعضاء الفريق التعبير عنها على أكمل وجه إبان غيابك، فكلما ازداد تقبلهم واستيعابهم لقيمك، توطدت جسور التواصل الفكري فيما بينكم ومن ثم يسهل انصياعهم وخضوعهم لإرشاداتك.

يعد التأمل الذاتي هو أولى خطوات التعريف بقيمك الشخصية. وجه إلى نفسك هذه الأسئلة: ما معتقداتي الجوهرية؟ هل أملك القدرة على التعبير عن قيمي الشخصية؟ هل هذه القيم قابلة للتغيير؟ هل تتوافق أفعالي مع معتقداتي؟ الآن بعد أن دوَنت قيمك وتعرفت إلى معتقداتك، يمكنك استغراق بعض الوقت في مزيد من الأسئلة مثل: من أكون؟ هل أشعر بالرضا عما أنا عليه؟ إن الانخراط في هذا النوع من التأمل يكسبك القناعة والرضا بما لديك ومن ثم يزداد تمسكك والتزامك بقيمك الشخصية.

يتطلب دورك كقائد قيمي أن تواجه نفسك دائمًا: ما نوع القدوة التي أمثلها؟ هل يوفر منهجي القيادي حياة متوازنة لفريق العمل؟ هل تعبر ردود أفعالي عن قيمي ومعتقداتي؟ فإذا اختلف ما يردده لسانك عما تقترفه يداك فبلا شك سيلحظ كل من حولك، وفي تلك اللحظة لن تشكل كلماتك فارقًا وستكون بالنسبة إليهم مجرد عبارات طنانة لا تمت للواقع بصلة. لذلك لا بد وأن تتفق سلوكياتك مع القيم التي تنادي بها مهما اختلفت الأماكن والأزمان. فكلما ارتفع شأنك داخل المؤسسة صرت محل أنظار واهتمام الجميع، وبالتالي ازدادت فرصك في تقديم قدوة تستحق التقدير. فلا بد أن تمتزج أفعالك الشخصية والمهنية في إناء واحد لتتلاشى الفروق بينهما، فكلها في النهاية تندرج تحت بند ”حياتك.“

– العنصر الثاني : إدارة المواهب وتطوير القيادات ..

بالتأكيد يتضمن دورك كقائد قيمي التركيز على تطوير فريق العمل، حيث تخضع كل الأمور لإشرافك وقيادتك، ولكن إن توفر لك الأشخاص المناسبون، فبالطبع سيشاركونك تحمل المسؤولية. ومن المتوقع أن تزداد خبرات فريقك وتتسع مداركه ويرتفع معدل تطوره إذا ما خضع لإرشاداتك وتوجيهاتك البناءة حول مواطن قوةونقاط ضعف كل فرد من أعضاء الفريق. فأنت بمثابة البحث الذي ينقب عن الفرص المناسبة لكل عضو في الفريق بحيث تزداد خبرات كل منهم من خلال العمل على مشروعات ومبادرات تابعة لأقسام وإدارات أخرى تستثمر مهاراته ومواطن قوته على أكمل وجه وبالتالي يتسع عالمه وتتغير مفاهيمه، فحين يتأهب أحد أعضاء فريقك للفرصة أو الخطوة التالية، احرص على أن يكون أول المرشحين للمنصب المتاح.

ينبغي أيضًا على القائد القيمي أن يشارك في العملية المؤسسية الشاملة لإدارة المهارات وتطوير القيادات بشكل أو بآخر. وفي الوقت الذي يتحمل فيه مديرك مهمة تطوير مواطن قوتك، لا بد وأن تشارك بنفسك أيضًا في هذه العملية من خلال متابعة معدلات تقييمك واغتنام الفرص السانحة لتضمن تطور أدائك واتساع مداركك، وكذلك البحث عن الأدوار المؤسسية التي تخول لك إثبات وجودك وتقديم إسهامات بارزة.

يقدم التدريب ثلاثي الخانات – ماذا تحب، و ماذا تكره، وما المهن والمناصب التي تدعم الخانة الأولى وتنأى بك عن الثانية – نموذجًا مثاليًا وفرصة ذهبية للتأمل الذاتي والتخطيط للمستقبل.

– العنصر الثالث : تحديد الوجهة ..

تقوم المؤسسات القيمية الناجحة خطوة بخطوة دون أن تسبق واحدة الأخرى. من هنا تتضح أهمية تحديد الوجهة كي تؤتي القيم المؤسسية والجهود الفردية والجماعية ثمارها وتترك أثرها. في كثير من الأحيان تفشل الاستراتيجيات التي يضعها القادة في أن تشق طريقها عبر المؤسسة بأكملها، وبالتالي يتخبط الأفراد غير مدركين أي الطرق ينتهجون. وبالطبع لا يمكن أن تنجح مؤسسة ينتهج كل من فيها الطريق الذي يراه ملائمًا من وجهة نظره الخاصة على حدة فيتشتت الشمل، وتتبدد الفرص، وتعم الفوضى، وتصبح المؤسسة على شفا حفرة من الانهيار.

لذا من الضروري أن تضع الخطوات التالية في اعتبارك بينما تحدد وجهتك:

— كن بسيطًا قدر الإمكان، وذلك من خلال تفتيت الأمور المعقدة والمركبة إلى أخرى بسيطة بهدف إنجاز المهام.

— اتخذ من الدقة والوضوح منهجًا وسبيلاً. فلا بد أن يدرك كل أعضاء الفريق رؤية المؤسسة ومهمتها.

— تفاعل مع الفريق، فالآن بعد أن نجحت في بناء فرق عمل متميزة حان الوقت لشحذ قواهم. فأنت تهدف قبل كل شيء إلى الاستفادة من خبراتهم ومعارفهم جمعاء لتخرج بأداء متألق وتحصل على أفضل النتائج.

— اخرج عن إطار دائرتك المغلقة كي تلاحظ كيف تتفاعل الوحدات والإدارات بعضها مع بعض داخل الإطار المؤسسي.

يتميز التواصل الفعال بالشفافية والبساطة والدقة والإيجاز، ويعني القدرة على نقل الأفكار والمعلومات بطريقة مباشرة يتفهمها الآخرون. وحده القائد القيمي يدرك أن التواصل الفعال لا يقف عند حد معين، بل هو عملية مستمرة ما دام العمل مستمرًا. فإن كان هناك ثمة حاجة مُلحة أو أولوية ضرورية لا بد أن يحرص الجميع على أن تظل على قمة الأولويات لحين الانتهاء منها تمامًا. ومن هذا المنطلق يجب أن تتيقن بعد كل محادثة أن الطرف الثاني قد استوعب تمامًا قصدك من الحوار، وذلك بأن تسأله كيف سينفذ ما تناولتموه في خضم هذه المناقشة حيث يتيح لك هذا الأسلوب تفادي سوء الفهم الذي قد يحصل لدى أحد الطرفين في الحال. ومن الأمور التي لا يجب أن تتهاون بها الاقتصاد والاختصار في شرح القضايا والأفكار، فبعض الأمور قد تبدو واضحة لك وضوح الشمس، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للآخرين فلا تبخل عليهم. أخيرًا، تتطلب الفاعلية بعض الخصال الضرورية كالجدارة بالثقة، والمصداقية، والإنصات، والوعي بأساسيات التواصل الفعال، والتفاعل مع كل أعضاء الفريق.

– العنصر الخامس : التحفيز وإدارة الفرق ..

يتطلب بناء، وتحفيز، وتأهيل فرق العمل الناجحة أن يشاركك أعضاء الفريق طموحك ورغبتك ويكونوا حريصين كل الحرص على تحقيق الأهداف المشتركة، وبالطبع يستلزم ذلك أن تتمتع بطاقة هائلة والتزام ومسؤولية نحو ما تطمح إلى تنفيذه حتى ينتقل هذا الشعور إليهم بالتبعية، فالقيادة تنبع أولاً وأخيرًا من توضيح أهمية الدور الذي يلعبه كل فرد في تحقيق أهداف المؤسسة وليس من خلال إعطاء الأوامر. والأهم من ذلك أن تكون جديرًا بثقتهم حتى يتقبلوا العمل تحت قيادتك.

وكما ذكرنا آنفًا، سيتطلب دورك القيادي إن عاجلاً أو آجلاً الاعتماد على المبادئ الأربعة للقيادة القيمية. فالتأمل الذاتي يبقيك دائمًا على دراية تامة باحتياجات الفريق ومدى قدرتك على إلهام وتحفيز الآخرين، بينما يجعلك التوازن تقف على مسافة واحدة من مدخلات وقدرات الآخرين لدى اتخاذك للقرارات المصيرية. أما عن الثقة بالنفس فتلزمك باتخاذ القرارات الصائبة بمعاونة خبرات ومواهب الآخرين، فرأيك ليس دائمًا هو الحل الأمثل والأصوب! وأخيرًا التواضع فهو بمثابة جرس الإنذار الذي يذكرك دائمًا بحقيقتك ومعدنك الأصلي وبالتالي تتذكر دائمًا كيف يكون شعور أعضاء الفريق وأنه مهما اختلفت المناصب والألقاب فليس ثمة ما يميز هذا عن ذاك، فكلكم في النهاية أعضاء فريق واحد.

– العنصر السادس : التنفيذ على أرض الواقع ..

يتمتع العنصر السادس بأهمية خاصة من بين باقي العناصر، ويعد بمثابة النقطة الفاصلة في هذه العملية. وعلى الرغم من السهولة التي تتمتع بها هذه المرحلة والتي قد تصل إلى حد التلقائية – أو هكذا يفترض أن تكون – إلا أن العديد من المؤسسات يفشل في اجتيازها حتى وإن توفرت لديه كل سبل الاستعداد للانطلاق، حيث يحدث نوع من الانفصال بين المراحل السابقة مما يؤثر بشكل كبير على هذه المرحلة النهائية. هنا تبرز أهمية دورك القيادي في الالتزام بالمسار المحدد طوال الرحلة والتركيز على الأهداف حتى لا تحيد عن الطريق السليم وتخفق في عملية التنفيذ. فجميع العناصر المشاركة – من استراتيجيات، وعناصر بشرية، وعمليات، وإجراءات – لا بد أن تتحد وتسير يدًا بيد بدلاً من أن يسير كل منها في اتجاه فتختلف المقاصد وتنهار الأحلام.

– المسؤولية الاجتماعية للقيادة القيمية ..

لقد حققت الآن الحلم الذي لطالما راودك أنت وفريق عملك واعتليت قمة الجبل ووصلت إلى ذروة الانتصار. وتستطيع الآن وبكل ثقة أن تضع رايتك البيضاء لترفرف فوق القمة، فقد حققت هدفًا مؤسسيًا جليلاً ألا وهو: بناء مؤسسة قيمية ناجحة. إلا أنه في خضم هذه النشوة وبينما تستمتع بروعة المنظر من القمة، تكتشف أنه ما زال أمامك الكثير والكثير من الجبال الوعرة لاعتلائها!

ترمز هذه الجبال الشاهقة إلى المشكلات والتحديات التي تتطلب جهودًا ومساعي خرافية بما في ذلك العلل الاجتماعية كالفقر والمشكلات البيئية، والأزمات الصحية كمرض الملاريا وارتفاع معدل وفيات الأطفال، والقضايا المجتمعية كالأمية والفجوة التكنولوجية. ولكن بينما تتأمل هذه الجبال المنتشرة في الأرجاء تسأل نفسك: هل تسلق هذه الجبال مسؤولية تقع على عاتقي؟ بالطبع هناك الكثير ن الخبراء المتخصصين في هذه المجالات والمؤهلين لدراسة ومواجهة هذه التحديات على النطاق العالمي. وبالتالي يكون تأملك لما حولك قد أفادك مرة أخرى بأن أضاف إلى دائرة معارفك: فإن كنت أحد القادة القيميين الذين يعملون ضمن مؤسسات قيمية، فيجب أن تحطم القيود وتنظر إلى ما هو أبعد من مجرد المهام والأهداف المؤسسية وتتحمل صيبك من المسؤولية الاجتماعية. فمن أفضل منك وفريق عملك الناجح ليتحمل هذه التحديات الصعبة؟ ربما تنتابك الحماسة الآن وتترك لنفسك العنان لتبدأ في مواجهة أحد هذه التحديات السابق ذكرها

ولكن انتظر! هناك بعض الخطوات التي يجب أن تطلع عليها أولًا:

-1- لا بد أن تكون متأملاً ذاتيًا من الطراز الأول بينما تتعامل مع هذه القضايا وتتخذ من التوازن منهجًا لتجمع أكبر قدر ممكن من وجهات النظر المختلفة.

-2- لا بد أن ترتب أولوياتك ..

فكلما أمعنت النظر في القضايا المعاصرة والأزمات المحاصرة أدركت صعوبة الإلمام بها جميعًا في آن واحد. وفي نفس الوقت إذا قلصت جهودك افتقرت إلى الفاعلية وضاعت مساعيك هباءً! ابحث عن القضايا التي تمس مؤسستك بشكل مباشر والاحتياجات التي تُكِن لها شغفًا خاصًا.

-3- الجمع ما بين الشغف والقدرة ..

فربما تكون هناك بعض المجالات التي تداعب شغفك ولكنك لا تملك القدرة على إحداث التغييرات التي تؤثر في الناس بطريقة فعالة. هل تتمتع بالخبرة الكافية أو تتوفر لديك الموارد اللازمة والمتعلقة بالقضية التي وقع اختيارك عليها؟ إن كانت إجابتك بالنفي فستبوء كل محاولاتك بالفشل أيًا كان شغفك. فمن المنطقي أن تلتزم المؤسسة بالمجالات التي تجمع فيها ما بين الشغف والقدرة كي تشكل فارقًا.

-4- البدء في الحال..

فإن لم يكن للمسؤولية الاجتماعية نصيب في قائمة أولوياتك منذ أن بدأت مشوارك المهني، فلن يكون لها لاحقًا. أما إذا استهللت حياتك المهنية بتخصيص بعض الوقت للمشروعات والقضايا التي تجذب انتباهك، فعلى الأرجح سيستمر الوضع هكذا إلى ما لا نهاية.

– القائد القيمي الإجتماعي ..

يمتد أثرك ويتمدد دورك كقائد قيمي إلى ما هو أبعد من النطاق المؤسسي. فأيًا كان منصبك أو مسماك الوظيفي، فبإمكانك أن تصنع تغييرًا وتضع لمساتك على العالم أجمع. فالقيادة التي تقدس المسؤولية الاجتماعية تجعلك أكثر دراية بمردود أفعالك على الكون بكل ما فيه، حيث تبدأ في دراسة القضايا العالمية المعاصرة، وتتبادل الحوارات الفعالة مع الآخرين، ومن ثم – ووفقًا لمبدأ التوازن – تتحمل المسؤولية وتلتزم بدورك لتجعل من العالم مكانًا أفضل.

تذكر أنه كلما اتسعت دائرتك، أصبحت القيادة القيمية جزءًا متأصلاً في مختلف رحلاتك الحياتية. كما ستكتشف أن المعرفة كالماء كلما ارتويت منه ازداد ظمؤك إلى المزيد، وسترى كيف تشكل المبادئ الأربعة للقيادة القيمية – التأمل الذاتي، والتوازن، والثقة بالنفس، والتواضع – فارقًا على المستوى الشخصي، والمؤسسي، والمجتمعي. فما تتعلمه في مجال ما يعزز دورك القيادي في آخر فيتحول العالم إلى ما هو أشبه بمدينة  ”أفلاطون“ الفاضلة.

كتاب فن استثمار القيم .

ليست هناك تعليقات